أخبار وطنية بقلم محمد المنصف بن مراد: نجح الغنوشي وفشل الباجي
لن أذيع سّرا إذا قلت إنّي ضدّ المشروع الدّيني للنهضة واختيارات رئيسها السيد الغنّوشي، ولكن لابدّ أن أعترف كمحلل سياسي بأنّه قاد ـ وإلى يومنا هذا ـ حزبه الى برّ الأمان مستغلاّ في ذلك ضعف الأحزاب الديمقراطيّة وعدم وجود شخصيّة سياسيّة في الصفّ الديمقراطي قادرة على التخطيط والقيادة، علما انّ الباجي قائد السبسي تغير تماما بعد انتخابه رئيسا للجمهورية فقد بات «صاحب الكرسي» وهو بلا حيويّة ولا صرامة ومعزول عن واقع الشّعب..
وفي المقابل نجح راشد الغنوشي في تسيير حزب النهضة وخاصّة عند الأزمات، وممّا يحسب له، عدم خضوعه للصّقور الذين كانوا يريدون الاستحواذ على الحكم والدّخول في حرب محاكمات وتصفية لفرض جمهورية اسلاميّة بالقوّة، أو عن طريق المجلس التأسيسي.. نعم، لقد رفض راشد الغنوشي هذه الاستراتيجية الخطيرة التي قد تضرّ بحركته ونجح في لجم بارونات حزبه لأنّه يعلم انّ الولايات المتحدة الأمريكيّة سترفض إعلان حرب على الديمقراطيين كما انّه على يقين من انّ الشعب التونسي (12 مليون نسمة) لن يقبل حكومة دينيّة تنفّذ برنامجا عقائديّا.. ورغم تحرّكات الجبالي وضغوطات صقور الحزب وعدد من شبابه المتطرّف فقد نجح في فرض اختياراته ليقينه انّ السيناريو المصري ممكن وانّ المجتمع المدني واتحاد الشّغل وأجزاء هامّة من الجيش والدّاخلية وحكومات غربيّة عديدة سيرفضون أيّ نظام عقائدي في تونس، وقد تدخّل مرارا وخاصّة في المجلس التأسيسي لرفض قانون الاقصاء السياسي وتحديد سنّ المترشّح لرئاسة الجمهورية معبّدا بذلك الطريق للتحالف مع نداء تونس ولانتخاب السيد الباجي قايد السبسي...
أمّا نجاحات الغنوشي خدمة لحزبه فتتمثّل في أنه تمكّن من إحكام قبضته على أهمّ الوزارات وخاصّة الدّفاع والدّاخلية، كما عين بعض أنصاره في مراكز حساسة وقد ساعده في ذلك غرور المنصف المرزوقي وأطماع البعض، كما عمد إلى ادماج المنتفعين بالعفو التشريعي العام في أهمّ الوزارات حتى أصبحت الدولة في خدمة حزبه وبرنامجه الاّ انّ تحرّكات المجتمع المدني ونساء تونس واتحاد الشغل جعلته أكثر مرونة، ثمّ انّ الشعب التونسي يرفض العنف والارهاب وميوعة حكومتي الجبالي والعريض اللتين كانتا شبه مشلولتين في معالجتهما لملفّ انتشار الأسلحة والخلايا الارهابيّة واغتيال الشهداء شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولطفي نقض!
وبعد الانتخابات الأخيرة نجح السيد راشد الغنوشي في التمركز في الحكم والتأثير على كلّ القرارات رغم انّ النهضة ليس لها ـ في الظّاهر ـ سوى وزير واحد.. انّ لحزب النهضة وزنا هامّا في كلّ القرارات السياسية والاقتصاديّة والديبلوماسيّة الحسّاسة ولا يمكن اتخاذ ايّ قرار استراتيجي الاّ بموافقتها!
لقد تركت النهضة الفلاحة والتجارة والتعليم والصحّة والتجهيز ووزارات «تقنية» للآخرين لكنها تمسّكت بنفوذها في كل ما يهم الأمن والدّفاع وفضلا عن ذلك فالنهضة متمركزة تقريبا في كل المدن والقرى وتضمّ في صفوفها الآلاف من المنتمين المستعدين لردود فعل عنيفة اذا تعرّض هذا الحزب لتهديد جدي أو كان محل اقصاء، مع التذكير بأنّ حليفه فجر ليبيا «سيتحرّك» اذا اتخذ قرار مواجهة حزب النهضة! لقد أصبح حزب الغنوشي اليوم يحكم مع نداء تونس وذلك رغم وجود وزير واحد تابع له، وهكذا سيدفع حزب الباجي الفاتورة في حين ستخرج النهضة «خاطيني»..
لقد نجح السيد راشد الغنوشي في مخطّطه ومازال له نفوذ وأنصار داخل أهمّ الوزارات وعند اتخاذ ابرز القرارات في حين انّ الأحزاب الديمقراطية ليس لها «قائد» مقنع وقد فشل حزب نداء تونس في توحيد القوى المدنية والديمقراطيّة والاجتماعيّة لأنّه لا يملك رؤية ولا عزيمة ولا عددا هامّا من السياسيين الحديديين قادرين على التعايش مع الأحزاب العقائديّة ولكن رافضين لأيّ مسّ من مصالح تونس وحداثتها ووسطيتها وحقوق نسائها وحريات مثقّفيها!
لقد نجح راشد الغنوشي وفشل الباجي قايد السبسي علما أنّ أغلب قرارات تونس الاستراتيجية تطبخ ـ نسبيا ـ في واشنطن!